سورة الرعد - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الرعد)


        


{وَفِي الأرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ} متقاربات يقرب بعضها من بعض، وهي مختلفة: هذه طيبة تنبت، وهذه سبخة لا تنبت، وهذه قليلة الريع، وهذه كثيرة الريع، {وَجَنَّاتٌ} بساتين، {مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ} رفعها كلها ابن كثير، وأبو عمرو، وحفص، ويعقوب، عطفا على الجنات، وجرَّها الآخرون نسقاً على الأعناب. والصنوان: جمع صنو، وهو النخلات يجمعهن أصل واحد.
{وَغَيْرُ صِنْوَانٍ} هي النخلة المنفردة بأصلها. وقال أهل التفسير صنوان: مجتمع، وغير صنوان: متفرق. نظيره من الكلام: قنوان جمع قنو. ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم في العباس: «عمّ الرجل صنو أبيه». ولا فرق في الصنوان والقنوان بين التثنية والجمع إلا في الإعراب، وذلك أن النون في التثنية مكسورة غير منونة، وفي الجمع منونة.
{يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ} قرأ ابن عامر وعاصم ويعقوب {يُسقى} بالياء أي يسقى ذلك كله بماء واحد، وقرأ الآخرون بالتاء لقوله تعالى: {وَجَنَّاتٌ} ولقوله تعالى من بعد {بعضها على بعض}، ولم يقل بعضه. والماء جسم رقيق مائع به حياة كل نامٍٍ.
{وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأكُلِ} في الثمر والطعم. قرأ حمزة والكسائي {ويفضل} بالياء، لقوله تعالى: {يُدَبِّرُ الأمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ} [الرعد- 2].
وقرأ الآخرون بالنون على معنى: ونحن نفضل بعضها على بعض في الأكل، وجاء في الحديث في قوله: {ونفضل بعضها على بعض في الأكل}، قال: الفارسي، والدَّقَلُ، والحلو، والحامض.
قال مجاهد: كمثل بني آدم، صالحهم وخبيثهم، وأبوهم واحد.
قال الحسن: هذا مثل ضربه الله تعالى لقلوب بني آدم، ويقول: كانت الأرض طينة واحدة في يد الرحمن عز وجل، فسطحها، فصارت قطعاً متجاورةً، فينزل عليها المطر من السماء، فتخرج هذه زهرتها، وشجرها وثمرها ونباتها، وتخرج هذه سَبَخَها وملحها وخبيثها وكل يُسقَى بماء واحد، كذلك الناس خلقوا من آدم عليه السلام فينزل من السماء تذكرة فترق قلوب فتخشع، وتقسو قلوب فتلهو.
قال الحسن: والله ما جالس القرآن أحد إلا قام من عنده بزيادة أو نقصان، قال الله تعالى: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلا خَسَارًا} [الإسراء- 82].
{إِنَّ فِي ذَلِكَ} الذي ذكرت {لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}.


{وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ} العجب تغير النفس برؤية المستبعد في العادة، والخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعناه: إنك إن تعجب من إنكارهم النشأة الآخرة مع إقرارهم بابتداء الخلق من الله عز وجل فعجب أمرهم.
وكان المشركون ينكرون البعث، مع إقرارهم بابتداء الخلق من الله تعالى، وقد تقرر في القلوب أن الإعادة أهون من الابتداء، فهذا موضع العجب.
وقيل: معناه: وإن تعجب من تكذيب المشركين واتخاذهم ما لا يضر ولا ينفع آلهة يعبدونها وهم قدْ رأوا من قدرة الله تعالى ما ضرب لهم به الأمثال فعجب قولهم، أي: فتعجب أيضا من قولهم: {أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا} بعد الموت، {أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} أي: نعاد خلقا جديدا كما كنا قبل الموت.
قرأ نافع والكسائي ويعقوب {أئذا} مستفهما {إنّا} بتركه، على الخبر، ضده: أبو جعفر وابن عامر. وكذلك في سبحان في موضعين، والمؤمنون، والم السجدة، وقرأ الباقون بالاستفهام فيهما وفي الصافات في موضعين هكذا إلا أن أبا جعفر يوافق نافعاً في أول الصافات فيقدم الاستفهام ويعقوب لا يستفهم الثانية {أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمدينون} [الصافات- 53].
قال الله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ الأغْلالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ} يوم القيامة {وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}.


قوله عز وجل: {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ} الاستعجال: طلب تعجيل الأمر قبل مجيء وقته، والسيئة هاهنا هي: العقوبة، والحسنة: العافية. وذلك أن مشركي مكة كانوا يطلبون العقوبة بدلا من العافية استهزاء منهم يقولون: {اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم} [الأنفال- 32].
{وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ} أي: مضت من قبلهم في الأمم التي عصت ربها وكذبت رسلها العقوبات. والمثلات جمع المَثُلَة بفتح الميم وضم الثاء، مثل: صَدُقَة وصَدُقَات.
{وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ}.
{وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ} أي: على محمد صلى الله عليه وسلم {آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ} أي: علامة وحجة على نبوته، قال الله تعالى: {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ} مُخَوِّف، {وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} أي: لكل قوم نبي يدعوهم إلى الله تعالى. وقال الكلبي: داعٍٍ يدعوهم إلى الحق أو إلى الضلالة.
وقال عكرمة: الهادي محمد صلى الله عليه وسلم، يقول: إنما أنت منذر وأنت هادٍ لكل قوم، أي: داعٍٍ. وقال سعيد بن جبير: الهادي هو الله تعالى.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8